حوار مع نقوس المهدي حول موضوع القراءة والكتابة ضمن صفحة "طقوس قرائية" بجريدة "الشمال"، أجراه: الدكتور عبدالواحد العلمي
- الحوار : يطيب لي أن أشكر كثيرا الأستاذ الدكتور سيدي عبدالواحد العلمي على مجهوداتك الإشعاعية الحميدة الساعية لاستطلاع أراء وارتسامات المبدعين على اختلاف أمصارهم ومشاربهم ومستوياتهم حول راهنية القراءة في أمة إقرأ التي لا تقرأ.. وأصبحت مسألة تدعو للقلق.. وأكثر حساسية تتصل بمستقبل الكتاب وأزمة الفكر العربي
فيما يخص نقوس المهدي، إنسان لا يحب الظهور، هكذا يطيب لي أن أصف نفسي، ويصنفني معارفي من المتأدبين، ولدت بقرية سيدي أحمد احدى القرى النموذجية المنجمية التابعة للمكتب الشريف للفوسفاط باليوسفية عام 1953، ونشأت بقرية لمزيندة القريبة منها، عايشت مع أبناء جيلي وانأ بعد طفل الأحداث الدامية أحيانا التي كانت تدور رحاها بين العمال البروليتاريين، استخدم خلالها الرصاص الحي، والمعارك الطبقية التي خاضوها وقتئذ من أجل الكرامة وانتزاع حقوقهم المشروعة، وانخرطنا فيها بحماسنا تحت لواء الشبيبة الاتحادية الشيء الذي أثر على وعينا الطبقي.. إذ كانت اليوسفية إحدى قلاع الفكر اليساري، قبل أن يحولها المخزن الى وكر لتفريخ الفكر الارهابي والجماعات التكفيرية.. بعد المرحلتين الابتدائية والثانوية - التحقت للدراسة بشعبة الفلسفة في جامعة محمد الخامس – الرباط، - التحقت بمدرسة الممرضين المجازين في مراكش، واشتغلت ممرضا مجازا بمصحة المكتب الشريف للفوسفاط باليوسفية - أسست مع الاخ جبران الشداني موقعي: أنطولوجيا السرد العربي، وأنطولوجيا الإيروتيكا العربية - مشرف بمنتدى مطر - أنشأت العديد من المجموعات الفيسبوكية التي تتناول مختلف المواضيع الفكرية * أصدرت مجموعتين قصصيتين - صنائع من نوبة عراق العجب - متوالية قصصية - منشورات منتدى مطر.. مطبعة انفو برانت- فاس 2014 - ...إلخ - قصص قصيرات - منشورات رابطة أقلام أحمر - سفي برس - آسفي 2014 شاركت في كتب جماعبة - مرايا ج1 وج2 ، قراءات في شعر محمد علي الرباوي، 2015، تحت إشراف د. محمد دخيسي أبو أسامة - أدب المناجم "الأدب في خدمة الذاكرة" يضم أشغال الملتقى المغاربي الأول لأدب المناجم التي تشرف عليه جمعية طارق بن زياد للتضامن والتنمية والتواصل حاسي بلال ـ بمدينة جرادة 2016 - موسوعة الجنسانية العربية والإسلامية قديما وحديثا - الكتاب الأول – تحت إشراف البروفيسور محمد عبدالرحمن يونس - جامعة بن رشد – هولندا - الطبعة الأولى لندن انجلترا 2018 – الطبعة الثانية عن دار دجلة الأكاديمية ببغداد 2021 - موسوعة الجنسانية العربية والإسلامية قديما وحديثا - الكتاب الثاني - الجنس في الرواية العربية - تحت إشراف البروفيسور محمد عبدالرحمن يونس - عن دار دجلة الأكاديمية ببغداد – الطبعة الأولى 2021 - من مؤسسي المنتدى المغاربي لأدب المناجم - شاركت بعدة لقاءات وندوات في جعبتي العديد من المخطوطات تشمل الشعر والقصة والدراسات تنتظر النشر
س- رحلة القراءة تبدأ بالكتاب الأول، فما هو أول كتاب قرأته؟ - ج- عرفت الكتاب خارج حدود كراس المقرر المدرسي في حدود سن العاشرة، أي بعيد الاستغناء عن وسائل اللعب ولهو الصبا، والبحث عن وسائل أخرى لتزجية الوقت، وكان هذا الاكتشاف من أثمن الأشياء التي ملأت فراغ أيامي، حين أقام أستاذ اللغة العربية للصف الخامس ابتدائي الأستاذ السي محمد أغزاف طاولة في ركن من الفصل أسماها المكتبة المدرسية، وضع فوقها مجموعة من القصص المدرسية للناشئة التي وضعها محمد عطية الإبراشي وأحمد سعيد العريان وكامل كيلاني، وقصص أرسين لوبين وشرلوك هولمز، وبعض مؤلفات طيب الذكر مصطفى لطفي المنفلوطي، ليزرع في نفوسنا حب القراءة والكتاب، توزع علينا مساء كل يوم سبت، لنعيدها في متم الأسبوع الموالي ملخصة في ورقة ونأخذ غيرها، كانت تلك القصص العجيبة اول صلة لنا بحكايات الجنيات والسعالي وعالم الخوارق والملاحم العجيبة والخيالات الرهيبة، لم نكن قد وصلتنا بعد قولة الحكيم الفرعوني التي تقول: (الكتاب أفضل من لوحة رائعة النحت، أقوى من حائط متين البنيان، انه بديل الهرم والمعبد في اعلاء اسمك)، أو تلك القائلة: " ليتني أجعلك تحب الكتب أكثر مما تحب أمك"، ولا تلك التي جعلت أحب كاتب إلى نفسي يقول بتواضع زائد في مديح القراءة: "فليفخر الآخرون بالصفحات التي كتبوا، أما أنا فأفتخر بتلك التي قرأت" [بورخيس: أسطورة الأدب/ ص 108]. كنا فقط نلتهم تلك القصص لما توفره لنا من متع زائدة تغنينا عن دروس النحو والصرف والتربية الوطنية والحساب والعقاب، ومن لعب نهاية الأسبوع، لما تحملنا إليه من عوالم غريبة وفضاءات ساحرة لم نكن نألفها في قريتنا الفوسفاطية الصغيرة المغمورة المنسية، والمنقطعة عن العالم، المخفورة بأهرامات الأتربة، المبتوتة في تجاويف هضاب الكنتور، وبديلا عن حكايات آبائنا التي يحشون بها أذهاننا، وكأنهم يرهبوننا نفسيا من أوصاب الشغل الشاق المنتظر، عن أهوال وأخطار العمل بالمنجم والجنازير وهدير المحركات الجبارة، وعن أمراض الحساسية والربو، والسل، وآلام المفاصل، وديدان الأنكيلوستومياز، والشيخوخة المبكرة، وحوادث الشغل المميتة، وفظاظة المهندس وتقارير أعوانه الجائرة، والماء البارد الذي يقطر من سقف المنجم، والمياه الجوفية العائمة التي تغمر لحد الحزام، والحزام المطاطي النقال الذي يلتهم في غفلة أعضاء العمال، أو يعجن أجسادهم المنهكة كالطحين، وعشرات الحكايات الأكثر رهبة تقع في جوف الجبل، تحت الأغوار السحيقة لباطن الأرض، التي تذكر بالقرابين التي كان يتزلف بها قدماء المصريين للنيل خلال سخائه السنوي على الحقول. والتي تشكل بدورها مادة مروية تستحق بدورها أن تدون في كتاب.. كانت البداية بخطوة وتدرجت القراءات
قرية سيدي أحمد يتطوع رجال وشباب إلى المسيرة الخضراء فالرجال سعيد الغراز. والمحجوب العريبي نجاح. الشباب بوفي. لمستف. بلخياط.كبور.جداد.البرداني.علال.الليبي
آخر الكوميديين الشّعبيين : ولد قَرّد مُسلّي دُكّالة ومعبّر عن هموم الفلاّحين . لم نعرفهُ إلّا بهذا الإسم : ولْد قَرّد : كُنّا نسمع آباءنا يتحدثون عنه بعد رجوعهم من السوق . وعن طرائفه ونوادره التي جعلتنا نتصوره كجحا مغربي . لمّا إلتحقنا بالمدرسة في بداية الستّينات أصبحنا نراه بالعين المجرّدة . ولا نحتاج لمن يحكي لنا عنه . فعندما نخرج من الفصل يوم السوق أي يوم الإثنين ، نتسكّع ونحن صغارٌ جدّاً في كلّ أرجاء السوق ، متسللين بين الخيام المنصوبة . والدّوابّ المربوطة في كل مكان حتى نعثر على حلقته . يتجمع حوله النساء والرجال من أعمار مختلفة . يحملون قُففهم وسلالهم التي لا زالت فارغة . وكأنهم يرفضون شراء أي شيء قبل إقتناء كلام ولد قرّد الموزون . والمعبّر عن كل هموم وظروف فلاحي القرى المجاورة . يجوب كلّ أسواق البادية بمنطقة دكّالة على طول الأسبوع : أحد أولاد فْرَج ، إثنين الغربية . ثلاثاء سيدي بنّور . أربعاء أولاد عمران . خميس الزّمامرة . جمعة امطَلْ . سبت الوليدية . وفي المواسم السنوية تجده مُحاطاً بجماعة من الرجال والنساء وهم غارقين في ضحك مسترسل لا ينتهي . فما يكادونَ يهدأون حتى يُرسل نكتة أو قفشة تثير قهقهات الجميع . يتحدّث عن الجفاف والقحط ، وإلباس الفلاح بقَراته نظّارات بلون أخضر حتى تظنّ البقرة أن الأعشاب منتشرة في كلّ مكان فترعى لا شيء . يتحدث عن الزلزال حين يلبس الرجُل ثياب زوجته ويفرّ راكضاً لا يلوي على شيء ناسياً أسرته وأطفاله الصغار . والمرأة التي بفعل فزع الزلزال تضع ثديها في غير فم الطفل بل في مكان آخر من جسمه . وعن إشتداد الفيضان والرياح مما يجعل الرجل يتدبّر أمره باستعمال قصبة بينما تعجز المرأة عن ذلك لطبيعتها الفيزيولوجية . وأهم ما شدّ إنتباهي هو نقده للمدرسة العصرية ومنافستها الشديدة للكُتّاب القرآني ، إلى درجة إخلائه من طَلبته . وإصابته بالإهمال . بينما تُولى المدرسة . مدرسة النّصارى كلّ العناية ، بالنظافة والتجهيز . حين يقول : الجّامع عمر نْكاسة( غبار وأتربة) والسّكويلة( المدرسة) عمرت كراسَة( كَراسي). وطرد لامبة الغاز لفانوس الشمعة ، ومدرسة النصارى للقرآن . بقوله : لانْبة جرَات على الفرَانْ( الفانوس) والسّكويلة جرَت على القرانْ والكُفر اللّي كان غابر هذاوين ( الآن) بانْ ! لا شكّ أنه يعبّر عن حنين الناس للماضي . حين عاشوا منسجمين مع طبيعتهم وظروفهم . ووسائلهم التي عاش عليها أجدادهم . لكن العصر . ودخول الفرنسيين المغرب وكل شمال إفريقيا ، جعل عادات الناس تتغير . من طريقة الحرث والدوس والحصاد . بظهور وسائل وأجهزة جديدة جعلت الظروف تتغير . كما أهمل الناس قراءة وحفظ القرآن الكريم . وقراءة أبنائهم وترديدهم لأسماء حيوانات لا علاقة لها بجمالية القرآن وبلاغة ألفاظه : مثل قردٌ بقرة برتقال . مع إستعراض قصص من الماضي أو التاريخ أو المُدن وغيرها تختلف عمّا تعوّد الناس عليه . فقام " ولد قرّد" بتصويرها والتعبير عنها مما جعل الفلاحين تستهويهم إنتقاداته . وتنبّئه بمستقبل غامض للمغاربة والمغرب . بسبب غموض الأحوال والظروف ، وخروج الناس عن عاداتهم وقيمهم الأخلاقية . وبداية إنفلات الزمام من يد الرجال بسبب تحرر المرأة ، وإلتحاق الفتيات بالمدرسة . وخروجهن سافرات لابسات لأزياء غربية . كما يصففن شعرهنّ على طريقة الفرنسيات . وربما سيدخنن السجائر ويشربن الخمر . كل هذا دفع الآباء إلى رفض إلحاق بناتهم بالمدرسة الحديثة . بل أعطوا رشاوى للمسؤولين للتغاضي عن ذلك . سأله القاضي لماذا يقدّم دعوى بجيرانه والحرث في بدايته ، ولا زال لم ينبت شيء ؟ فأجابه : إني أعرف صعوبة إجراءاتكم وتعقد مساطركم ، وإحتياج كل ذلك لوقت طويل حتى تصلكم الدعوى والزرع قد نضج بالفعل . ضحك القاضي عندما فهم نقد ولد قرد للقضاء وبطء مساره ! سمع محمد الخامس عن ولد قرّد وحكَمه ، عندما زار شاطئ الوليدية أواخر الخمسينات لتشكيل الحكومة اليسارية برئاسة عبد الله إبراهيم . وكان الجفاف سيد الموقف في ذلك الزمان . فسأله عن أحوال الرعايا بدكّالة . أجابه : أتّا زاز( شيك وأنيق) وشعبك زاز والا سلك لك الشعب هذا العام ݣول " بازّ" ( لصعوبة الموقف .). منحه محمد الخامس بعض المال . فقال له : أنا لا أقبض الرشوة بل فقط الهدية ، وقدّم " قُبّه" وعاء جلاّبيته كي يضع الأموال بها . ذات يوم من سنة 1961. وجدناه يدرّب شابّاً على طريقة الحلقة . لينشأ كوميدي جديد يتفوق عليه : إنه الطاهر زعطوط . رحم الله الجميع . توفي ولد قرد في بداية التسعينات عن عمر ناهز القرن . وتوفي الطاهر مؤخراً . لينقرض هذا النوع من الكوميديا الشعبية المعبرة عن هموم البسطاء! منقول عن Hassan Rahibi. حسَن الرّحيبي
chargement...
0 
0 
+ 
