عرف المغرب الأقصى ابان نهاية الدولة السعدية (1554-1659)، وبداية الدولة العلوية (1666) فوضى وفراغا سياسيا، فحاول العديد من الأشخاص من ذوي الجاه والمكانة الاجتماعية، الانفراد بحكم مناطقهم.
ومن بين هؤلاء شخص يهودي الديانة يدعى هارون بن مشعل، كان يقيم بتازة شمال شرق المغرب الاقصى، حيث جاء في كتاب "التاريخ الدبلوماسي للمغرب من أقدم العصور الى العهد العلوي" للدكتور عبد الهادي التازي، أن "هارون بن مشعل الذي استغل فرصة اختلال الأمور بفاس أواخر دولة السعديين، فحدثته نفسه بتأسيس مقاطعة يهودية في نواحي بني يزناسن، فيصبح حاكما لتازة وفاس".
حلم قديم للصهيونية
ويشير العدد 203 من مجلة دعوة الحق، التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إلى أن ابن مشعل استغل "الخطر المحذق بالمغرب ودولته السعدية، وتتمزق اشلائها بمخالب الناجمين من مرابطين اصحاب الزوايا ونابهين من مختلف الخلايا" فسعى اليهود بقيادته "لتحقيق حلمهم في اعادة دولة داود واضعين اول لبنة لمحرابة بعيدة عن الهيكل، ريثما يتأتى لهم الاقتراب اليه والتربع في رجابه".
وأقام ابن مشعل بحسب دعوة الحق "دويلته اليهودية بالنواحي الشرقية وقريبا من تخوم الولاية التركية بالقطر الجزائري حيث خططت اليهودية لإمارتها المزمعة فوضعت لها اول قلعتها او قصبتها التي عرفت باسم دار ابن مشعل".
ويشير المؤرخ المغربي عبد الهادي التازي في مقاله "الدولة العلوية وإقطاعية ابن مشعل" إلى أن "دولة إسرائيل كانت بالفعل على وشك أن تقتحم تازة"، ثم تنتقل بعد ذلك إلى حكم فاس ومنها إلى البلاد الأخرى، مشيرا إلى أن "السلطة التي كان يتمتع بها ابن مشعل سواء من حيث المال أو العدة كما أن السمعة التي خلقها لنفسه والتي كان يضيفها على شخصه كانت تتلخص في أنه يريد بالكبار خيرا وبالضعفاء برورا والبلاد استقرارا" دفعت "المظلومين أو الحائرين إلى الثقة به".
لكن حكم ابن مشعل لتازة وحلمه في إقامة وطن لليهود على أرض المغرب، سرعان ما تحطم، ويشير عبد الهادي التازي في مقاله إلى أن حدثا مع سيدة كان سببا في مقتله.
"لكن حادثة وقعت في منطقة ابن مشعل أثارت أنباه هؤلاء " المترددين" ذلك أن ابن مشعل كان مارا ذات يوم وإذا به يقف على امرأة تحمل طفلا صغيرا وبيدها جرة ماء طلب إليها أن تسقيه وهو يختبر ــ على ما يظهر ــ مدى شعورها نحوه ــ لكنها رفضت، وهنا طوح بصغيرها . . . ! وجمعت الأم أشلاء الطفل ورجعت إلى القرية لتلهب الناس ضد ابن مشعل . . .".
وتزامن هذا الحادث مع بداية بروز العلويين في تافيلالت، "وكان المولى الرشيد أحد أعضاء هذه الأسرة طالبا إذ ذاك من طلاب جامعة القرويين . . . فكان يعيش في " الواقع المغربي" وتحكي كتب التاريخ أنه تأثر من تصرفات ابن مشعل بناحية الشرق . . . وأنه قرر أن ينزل ضربته بإقطاعية إسرائيل الفتية".
وبحسب كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى لأحمد بن خالد الناصري، فقد كان لابن مشعل "أموال طائلة، وذخائر نفيسة وله على المسلمين صولة واستهانة بالدين وأهله، فلم يزل المولى الرشيد يفكر في كيفية اغتيال اليهودي المذكور إلى أن أمكنه الله منه في خبر طويل فقتله واستولى على أمواله وذخائره وفرقها فيمن تبعه وانضاف إليه من عرب أنكاد وغيرهم فقوي عضضه وكثر جمعه".
وشكلت أملاك ابن مشعل عاملا حاسما في تجهيز جيش المولى الرشيد ليستولي على مدينة فاس، ويعزز تجهيزه العسكري لمجابهة أخيه المولى محمد حيث انتصر عليه في معركة أنكاد قرب وجدة سنة 1664.
وتشير مجلة دعوة الحق في عددها 203 إلى أن حصن ابن مشعل ظل قائما بعد القضاء عليه، و"كانت "تقصده الجيوش التركية في الفينة بعد الفينة، وتحتله لتتخذه مانعا في وجه القوات المغربية، او منطلقا تنطلق منه للاعتداء عليها".
حلم الصهيونية المتجدد
وبعد مئات السنين من مقتل ابن مشعل عاد حلم الصهاينة في إقامة وطن لهم بالمغرب إلى البروز في مطلع القرن العشرين، إذ تناقلت وسائل إعلام إسرائيلية مؤخرا رسالة غامضة وسرية، حاول بحسبها تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية الترويج لخطة إقامة دولة يهودية في المغرب.
وتشير صحيفة يديعوت أحرونوت إلى أن "خطة أوغندا" لتوطين اليهود في شرق أفريقيا أصبحت تدرس في كتب التاريخ، دون أن يعرف الكثيرون أن هناك خطة بديلة أعدها هرتزل باسم "خطة المغرب" لتوطين يهود روسيا فيه، من خلال اقتراح قدمه في رسالة غامضة كتبها عام 1903، وتحديدا في أبريل من ذلك العام".
تيودور هرتزل والرسالة المكتوبة بالألمانية
وكان هرتزل يفكر بحسب نفس الموقع "في اقتراح موقع مختلف للدولة اليهودية في منطقة وادي الحصان جنوب غرب المغرب.
"كان هناك تركيز كبير جدًا من اليهود هناك، سواء في المغرب نفسه أو في منطقة شمال إفريقيا بشكل عام. يجب أن يكون مفهوماً أن هرتزل كان رجلاً براغماتياً للغاية. لقد رأى مشكلة مع اليهود المضطهدين الذين يعانون من أعمال شغب بشكل رئيسي في أوروبا الشرقية - ومن ناحية أخرى، رأى أن المغرب لديه مجتمع يهودي مزدهر مع مراكز يهودية نشطة".
وقال البروفيسور يوسي شطريت من قسم اللغة العبرية بجامعة حيفا لنفس الصحيفة إن خيار إقامة دولية يهودية على أرض المغرب طرح أيضا من قبل الشقيقين باروخ ويعقوب موشيه توليدانو، وهما ابنان لأبوين هاجرا من المغرب، وهما ناشطان صهيونان معروفان في ذلك الوقت.
وأوضح أن "باروخ خاطب هرتزل قبل وفاته بعدة أشهر بهذا الخصوص، ثم نقل دعوته للحاخام الفرنسي فيدال من فاس، المقرب من النظام الملكي والحكومة المغربية، لإنشاء منطقة مستقلة لليهود في وادي الحصان بالمغرب، وهذا الحاخام الفرنسي كان ضليعًا بالسياسة الداخلية، أدرك أنها خطة وهمية، ولم تأخذ بعين الاعتبار الوضع الداخلي للمغرب، ووضعها في أحد الأدراج".
وعجل موت هرتزل سنة 1904، بوضع نهاية للخطة، شأنها شأن العديد من الخطط التي تدارسها الصهاينة، واستقر بهم الاختيار في النهاية على أرض فلسطين.