حافلة بنجودي و روضة النصارى بقلم: العربي بن سعيد بوزيد
خلال دراستي في التعليم الابتدائي و الإعدادي أي مايربو عن 10 سنوات و أنا أقطع كباقي رفاقي القاطنين في نفس الحي الطريق الرابطة بين حينا (لبيار) و مدرسة البلوك في مرحلة (الابتدائي) ثم ثانوية كشكاط إعدادي و السنة الأولى ثانوي ( توجهت بعد ذلك لشعبة العلوم الرياضية التي لم تكن متوفرة كتخصص في اليوسفية). معناه أنني كنت أمر 4 مرات في اليوم بجانب مقبرة معروفة ب"روضة النصارى". كان الفرنسيون يعتنون بمقبرتهم و كانت الطريق المؤدية اليها انطلاقا من الكنيسة تزين جوانبها أشجار sapin . أما إذا صادفنا مرور جنازة فنقف ننظر بذهول الى ذلك المنظر الموشوم في ذاكرتي حيث تمر السيارات و لو على قلتها في ذلك الوقت بسرعة بطيئة وفي صمت رهيب تتقدمها سيارة سوداء اللون مزينة بباقات من الورود المختلفة الألوان و الأشكال تغري الناظر. يفتح باب المقبرة فتلجله سيارة نقل الموتى في حين تركن السيارات الأخرى أمام المقبرة لينزل الجميع و الصمت الرهيب هو دائما سيد الموقف و البعض يحمل معه ورودا أخرى ليودع بها الهالك. و بعد دخول الكل يغلق الباب لنكمل نحن طريقنا الى الوجهة المقصودة بعد المعاينة. سألت ذات يوم أبي رحمه الله "لماذا نحن لا نفعل بجنازاتنا كما يفعل الفرنسيون و لماذا مقبرتهم جميلة و معتنى بها و مقبرتنا نحن يرعى فيها الغنم .... فكان جوابه "بقات في الزواق. و غدا يوم الحساب ؟" ذكرت "روضة النصارى" لأن هذه المقبرة كانت تضم بين موتاها تاريخا لحدث مؤلم. كيف ذلك؟
أول حافلة نقل عمومية عرفتها مدينة اليوسفية تربط المدينة بمراكش هي "كار بنجودي". كانت تغادر قرية سيدي أحمد صباحا في اتجاه اليوسفية ثم مراكش عبر الشماعية. مباشرة بعد صلاة الفجر يصعد السائق رحمه الله الى الحافلة و يستخدم المحرك ثم يضغط على المنبه عدة مرات و كأنه وقت الانطلاق لكن هيهات فالحافلة لن تتحرك الا بعد مرور حوالي 45 دقيقة. و كان المسافرون يطرحون السؤال ااروتيني " الكار غيزيد دابا ولا مازال؟" فيجيبهم المساعد و كأنه يتكلم بجد " اطلع اطلع راه تعطلنا " بطبيعة الحال ولوج الحافلة يقتضي تأدية التذكرة أو "النفولة" كما كانت تسمى. يؤدي المسافرون تباعا التذكرة و يصعدون الحافلة بعد ذلك لن يعود لكلامهم أو تساؤلاتهم حول وقت انطلاق الحافلة أي قيمة لأن الأساسي هو تأديتهم تمن التذكرة و لن ترجع لهم نقوذهم و ما عليهم الا الصبر .عدة مرات امتطيت هذه الحافلة رفقة أبي الذي كان يتوجه من حين لآخر الى الجنوب مسقط رأسه عبر مراكش. عندما يعزم السائق على الانطلاق و تتحرك العجلات يتنفس الراكبون الصعداء و تتبادل العبارات بين "سير أودي دعيناك لله" و "على سلامتنا ملي تحركتي...باسم الله. السلام ياربي.....الخ نفس المماطلة و التسويف تكرران خصوصا في اليوسفية و الشماعية. مدة الرحلة تبتدئ من طلوع الفجر الى حوالي الساعة 11 صباحا. كانت هذه الحافلة لا تترك أي مسافر ينتظرها على قارعة الطريق الا و توقفت لحمله حتى يصبح أحيانا عدد الواقفين يقارب عدد الجالسين. و كان مساعد السائق يستعمل مفردات ذات حمولة إنسانية و عاطفية لشرعنة الاكتضاض، مخاطبا السائق بصوت مرتفع " اوقف الله يرحم الوالدين لهاذ الشيباني غادي يبقى يتكرفس في الشمس( الشتا.البرد)- أو لهاد السيدة راه بوليداتها مسكينة.....الخ . محطة من محطات وقوف الحافلة (رغم أن الطريق كلها عبارة عن محطات وقوف!!) كانت تثير الانتباه و هي منطقة ولاد معاشو حيث ما أن يفتح الباب حتى تعم رائحة النعناع المعاشي الطبيعي آنذاك الحافلة. أول حادثة سير مميتة بواسطة حافلة وقعت في المدار الحضري باليوسفية هي التي ارتكبها سائق كار بنجودي حيث دهس طفلا فرنسيا عمره مابين 10 و 14 عاما ( المصدر : الحاج بوجمعة المصلوحي رحمه الله و أكدته لي "مي فاطنة" سيدة كانت تشتغل "خادمة" في بيوت الفرنسيين و بالمناسبة فالحاج المصلوحي هو جد والدة النشطة الفيسبوكية Siham Bel Mokaddem و ما أن تأكد للسائق أن الضحية لفظ أنفاسه حتى فر مسرعا (تاركا الحافلة) الى وجهة غير معروفة و اختفى نهائيا عن الأنظار. تناسلت الروايات حول سبب وقوع الحادثة: فمنهم من قال أن الطفل كان يبحث عن أبيه الفرنسي الذي خرج لممارسة المشي في الغابة المجاورة لمنازل المهندسين . رأي آخر يقول أنه كان متوجها نحو قاعة للرياضة تابعة للم.ش.ف. ..... المهم هنا هو ما وقع لأب الطفل حيث كان متعلقا بابنه الى حد الجنون. فبمجرد وفاة الطفل دخل الأب في كآبة و حزن شديدين أرغماه الفراش ، و كان يقول لمن زاره أن أجله قريب ليلتحق بابنه و يرتاح . و بالفعل لم تمر الأ أيام معدودات حتى توفي الأب (أقل من شهر). فقررت الإدارة أن يدفن بجانب أبنه و بالفعل ذلك ما حدث.
العربي بن سعيد بوزيد
.../...
يتبع
Modifié 1 fois. Dernière modification le 13/06/20 01:29 par belmahjoub.
في السنة الخامسة ابتدائي اقترح علينا الأستاذ الضفري أطال الله في عمره موضوعا في الإنشاء باللغة الفرنسية حول "حدث وقع لك فأفرحك أو اقرحك" ففكرت في الحادثة المؤلمة للفرنسي و ابنه كموضوع لكن تذكرت في نفس الوقت ماقاله لي أبي عن النصارى و "كفرهم " فأخذت نفس القصة وغيرت الأسماء بأخرى يسميها المسلمون. أعجب الأستاذ بالموضوع و طلب مني أن أقرأه بصوت مرتفع أمام التلاميذ و كان من بين التلاميذ الشاهدين على إعجاب الاستاذ بالموضوع: كنيش سعيد-محمد بن الجيلالي السعداني- محمد الاصفر أخ المدير السابق الاصفر المهدي .محمد بن حمان المتقاعد بالم.ش.ف. شافاه الله-باحجوب ع. الخالق. مرت السنوات و غادر الفرنسيون تباعا المدينة و بدأ الإهمال يلاحظ على هذه المقبرة انتهت بتكسير قفل بابها و أصبحت ملجأ لتناول الخمور و ما شابهها من بعض شباب قاطني الأحياء المجاورة. أدى بي الفضول الى ولوجها في أحد الأيام لأتأكد من رواية "الحاج المصلوحي" و "مي فاطنة " فرأيت بأم عيني قبرا لرجل يجاور قبرا لطفل صغير و يحملان نفس الإسم العائلي فأحسست بشعور غريب حيث حضرت لدي تلقائيا 5 أحداث :1 الطفل المتوفى-2الأب الذي بكى ابنه حتى الموت- 3السائق الذي أطلق ساقيه للريح هاربا أين اختفى و كيف عاش مختبئا عن الأنظار-4قصيدة الخنساء في رثاء أخيها صخر..التي كنا تطرقنا لها في المدرسة-5موضوع الإنشاء باللغة الفرنسية في قسم الشهادة الابتدائية.